You are currently viewing كسر الحواجز: الحوسبة السحابية الهجينة المتعددة كمفتاح للمرونة الحقيقية

كسر الحواجز: الحوسبة السحابية الهجينة المتعددة كمفتاح للمرونة الحقيقية

بقلم: محمد حديد، مدير حسابات المؤسسات الكبرى في «نوتانيكس»

لطالما وُعدت الحوسبة السحابية بتقديم مرونة غير مسبوقة، تُمكّن المؤسسات من الابتكار السريع، والتكيّف مع المتغيرات، وتعزيز النجاح التجاري. ومع ذلك، ظل هذا الوعد بعيد المنال للعديد من المؤسسات، حيث فشلت استثماراتها الضخمة في البنية التحتية السحابية في التغلّب على تحديات رئيسية مثل تشتت البيانات، وأنظمة العمل المنعزلة، وصعوبة تشغيل الذكاء الاصطناعي بكفاءة. نتيجةً لذلك، بقيت العديد من المؤسسات عالقة في مرحلة التبشير بالمزايا النظرية بدلاً من تحقيق نتائج ملموسة.  

لكن التطور التكنولوجي المستمر أفرز حلاً واعداً يُعرف بـ “الحوسبة السحابية الهجينة المتعددة” (Hybrid Multicloud)، والذي يُعد نقلة نوعية قادرة على سد هذه الفجوة. من خلال تمكين إدارة موحّدة للبيانات عبر البيئات المختلفة ومواءمة الابتكار المعزّز بالذكاء الاصطناعي مع الأهداف الاستراتيجية، توفّر هذه الحلول للمؤسسات فرصة تحويل المرونة من مفهوم نظري إلى حقيقة عملية. هذا النموذج ليس خياراً مثالياً فحسب، بل أصبح ضرورة ملحّة في ظل الاعتماد المتزايد على الذكاء الاصطناعي لضمان القدرة التنافسية.  

تحدي المرونة: لماذا لا تزال المؤسسات عالقة؟  

على الرغم من الضجة الكبيرة حول الحلول السحابية، تواجه المؤسسات صعوبات جمة في تحقيق المرونة المطلوبة لتطوير ونشر أحمال العمل الجديدة، أو حتى إدارة بيئات الحوسبة السحابية الأصلية بكفاءة. أحد الأسباب الرئيسية هو تجزئة البيانات. على سبيل المثال، تواجه البنوك التي تستخدم الذكاء الاصطناعي للكشف عن الاحتيال صعوبة في تجميع بياناتها الموزعة عبر أنظمة منفصلة، مما يعيق التحليل الفوري ويحدّ من الفعالية.  

كما أن العديد من المؤسسات تعامل الذكاء الاصطناعي على أنه مشروع تجريبي منعزل، بدلاً من دمجه في العمليات الأساسية، مما يحول دون تحقيق تأثير تجاري ملموس. إضافة إلى ذلك، تبرز مخاوف الخصوصية وأمن البيانات كعقبة تشكل تحديًا، خاصة مع استخدام حلول الحوسبة السحابية العامة التي تثير تساؤلات حول سيادة البيانات وأمنها. هذه التعقيدات مجتمعة تُعيق تحقيق المرونة المنشودة.  

“الحوسبة السحابية الهجينة المتعددة”: أساس المرونة الحقيقية

تقدم “الحوسبة السحابية الهجينة المتعددة” إطاراً متكاملاً لحل هذه التحديات، حيث تسمح للبيانات وأحمال العمل بالانتقال بسلاسة بين الحوسبة السحابيةالعامة، والخاصة، وحافة الشبكة (Edge). ومن أبرز مزاياها: الوصول الفوري إلى البيانات عبر البيئات المختلفة، مما يزيل العوائق أمام تشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي بكفاءة ودقة. ودعم أحمال العمل عالية الأداء مثل معالجة اللغات الطبيعية والتعلم العميق دون الحاجة إلى بنية تحتية متخصّصة باهظة التكلفة. وإمكانية تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي في بيئة ونشرها في أخرى، مما يضمن المرونة والأداء الأمثل. وكذلك، تقليل التكاليف الخفية الناتجة عن البنى التحتية المجزأة.  

بهذه الطريقة، تحوّل “الحوسبة السحابية الهجينة المتعددة” المرونة من مفهوم نظري إلى واقع عملي، مما يمكّن المؤسسات من تسريع الابتكار وتوسيع نطاق تطبيقات الذكاء الاصطناعي.  

التطبيقات وحالات الاستخدام الواقعية  

بدأت فوائد هذا النموذج الخاص بـ”الحوسبة السحابية الهجينة المتعددة” تظهر جلياً في عدة قطاعات، ففي القطاع المالي، تستخدم البنوك تكاملاً سلساً بين مراكز البيانات المحلية والحوسبة السحابية لتعزيز أنظمة الكشف عن الاحتيال في الوقت الفعلي.  وفي القطاع الحكومي، تُعد الاستراتيجيات الهجينة الحل الأمثل لنشر حلول الذكاء الاصطناعي مع الالتزام بأنظمة الخصوصية الصارمة. وفي مجال التصنيع والرعاية الصحية، تجمع كميات هائلة من البيانات من أجهزة متنوعة لتحسين النمذجة التنبؤية وتبسيط العمليات وتحسين عمليات اتخاذ القرار.

التغلب على تحديات التكامل  

يواجه دمج الذكاء الاصطناعي مع البنى التحتية الحالية صعوبات مثل مقاومة التغيير، وتكاليف التحديث للأنظمة القديمة وتعقيداتها. هنا تبرز استراتيجية ما يسمى بـ”الهجرة التدريجية” كحل عملي، حيث يتم نقل الأحمال العملية بشكل مرحلي إلى “الحوسبة السحابية الهجينة المتعددة”، مما يقلل الاضطرابات ويحافظ على استمرارية العمليات.  

يتناول هذا النهج التدريجي تحديًا آخر مهمًا: ضمان ألا تصبح الاستثمارات الحالية في البنية التحتية قديمة. فمن خلال تحديث الأنظام تدريجيًا، يمكن للمؤسسات تعظيم القيمة من التقنيات الحالية مع بناء أساس أكثر مرونة وجاهزية للمستقبل. وتتيح استراتيجية “الهجرة التدريجية” للمؤسسات تحقيق فوائد سريعة، مثل تحسين أداء أحمال العمل المحددة، دون الحاجة إلى إصلاح شامل. ويمكن من خلالها تحديد الأولويات واختبار الحلول في بيئات معزولة قبل التطبيق الكامل.  

ما وراء البنية التحتية: لماذا تُعد البيانات هي المفتاح؟  

تعتمد المرونة على التدفق السلس للبيانات واستخدامها. ومن خلال توحيد البيانات ودمجها في نسيج قابل للتوسع، يمكن للمؤسسات تحقيق مستويات غير مسبوقة من الكفاءة التشغيلية والابتكار. يبدأ ذلك بتأسيس طبقة بيانات قوية تكون بمثابة الأساس لعمل سلس للذكاء الاصطناعي.  

تسهل هذه الطبقة التكامل السلس لمصادر البيانات المتنوعة، مما يمكن المؤسسات من الاستفادة من نماذج الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي (AI/ML) بشكل فعال واستخلاص رؤى قيمة. إذا أردنا تحقيق المرونة، فإن التخلص من تجزئة البيانات وعزلها يصبح أمرًا ضروريًا.  

إن رؤية موحدة للبيانات تمنح الشركات مصدرًا واحدًا للحقيقة، مما يعزز اتخاذ القرارات المستنيرة على جميع المستويات. كما يعزز هذا النهج المبسط المرونة من خلال تمكين ردود فعل أسرع تجاه تغيرات السوق، وتحسين تخصيص الموارد، والقدرة على التكيف السريع مع متطلبات العملاء المتطورة.  

علاوة على ذلك، يعد ضمان أمن البيانات والخصوصية أمرًا بالغ الأهمية. توفر الاستراتيجية الهجينة القوية – التي تجمع بين الحلول المحلية والحوسبة السحابية – الضمانات اللازمة مع الحفاظ على إمكانية الوصول وتمكين المؤسسات من الاستفادة الكاملة من أصولها البياناتية.  

نحو مستقبل أكثر مرونة

تتحول “الحوسبة السحابية الهجينة المتعددة” بسرعة إلى حجر أساس للأعمال المدعومة بالذكاء الاصطناعي ، حيث تكسر حواجز البيانات، وتعزز قابلية التوسع، وتُبسّط عمليات التكامل المعقدة. لتمكن المؤسسات من إطلاق الإمكانات الحقيقية للذكاء الاصطناعي وأحمال العمل الحديثة.  

هذا لا يتعلق فقط بالتكنولوجيا، بل يتعلق بتحقيق مستويات جديدة من المرونة التجارية، وتسريع الابتكار، وكسب ميزة تنافسية حاسمة لعملك.

اترك تعليقاً