كتبت مورييل المفتي
في عصرنا الرقمي المفتوح، حيث تنتقل المعلومة في ثوانٍ عبر الهواتف الذكية، باتت الشائعة ظاهرة تهدد نسيج مجتمعاتنا أكثر من أي وقت مضى. ليست مجرد كذبة عابرة، بل سلاح حرب ناعم يُستخدم لتفكيك الثقة بين الناس، وزرع الفوضى في وعي الأفراد، وتقويض الاستقرار الوطني.
أرقام تكشف حجم المشكلة
بحسب مرصد “أكيد” لمصداقية الإعلام في الأردن، شهد شهر أيار 2025 وحده رصد 94 شائعة داخل المملكة، منها 28% ذات طابع أمني وسياسي، و88% منها انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي. والأخطر أن غالبية هذه الشائعات (90 حالة) كانت من مصادر داخلية، ما يعني أن معركة مواجهة التضليل لم تعد فقط ضد الخارج، بل تواجه تحديات داخلية تحتاج لليقظة والوعي المجتمعي.
الدعاية السوداء… الوجه القاتم للشائعات
لا تخطئوا الظن؛ فالشائعة ليست مجرد خبر كاذب بل قد تكون جزءًا من دعاية سوداء، وهي نوع متقدم من التضليل الإعلامي، تقدم معلومات مغلوطة أو ملفقة وكأنها صادرة عن جهات موثوقة، بهدف ضرب الثقة في المؤسسات وخلق بلبلة اجتماعية تعمّد إلى تفكيك اللحمة الوطنية.
تأثير الشائعات على المجتمع
كل شائعة تزرع بذرة شك في نفوس المواطنين، وتؤدي إلى تآكل الثقة التي هي حجر الزاوية لأي مجتمع متماسك. كما أنها تؤجج الانقسامات الطائفية أو المناطقية، مما يولد صراعات لا تحمد عقباها. وأيضًا، تضعف قدرة صانع القرار على التركيز بسبب الانشغال بالنفي والرد على الأخبار المفبركة، بل وتمسّ سمعة الدولة على المستويين الإقليمي والدولي، مما ينعكس سلبًا على الاقتصاد والاستثمار.
كيف نواجه هذه المعركة؟
مواجهة الشائعات تبدأ من كل فرد منا باتباع قاعدة بسيطة لكنها فعالة: “توقّف – تحقّق – شارك”. قبل أن تعيد نشر أي معلومة، خذ لحظة لتقرأها كاملة، وتبحث عن مصدرها، ولا تعتمد على “قالوا في القروب” أو عناوين مثيرة فقط. استخدم أدوات التحقق المتاحة مثل البحث العكسي للصور، وتحقق من الجهات الرسمية.
وعلى مستوى المؤسسات، لابد من تعزيز الجهود الإعلامية والرقابية، من خلال تدريب العاملين على مهارات التحقق، وتطوير خوارزميات ذكية لكبح المحتوى المضلل، مع تخصيص مساحة يومية لتفنيد الأخبار المغلوطة.
مسؤولية الجميع.. لمستقبل أفضل
في النهاية، كل منا هو جندي في معركة الوعي. بالمسؤولية عند استخدام الهاتف الذكي، والمشاركة الحكيمة للمعلومات، نصنع معًا حصنًا منيعا يحمي وطننا من فوضى الشائعات. فالوحدة الوطنية ليست شعارًا فقط، بل سلوك يومي يحتاج تضافر الجهود.
